نيويورك (الأمم المتحدة)، 31 أكتوبر 2025 (واص) - رفضت الجزائر اليوم الجمعة وللمرة الثانية على التوالي التصويت على مشروع القرار المعدل الخاص بتجديد عهدة المينورسو بالرغم من نجاحها, بصفتها عضوا في مجلس الأمن, في إحداث تغيير جذري في مسار هذا القرار.
فبعد مشاورات مطولة مع مختلف أعضاء مجلس الأمن في نيويورك وعواصم بلدانهم, والتي أدت إلى تأجيل جلسة التصويت, تمكنت الجزائر من تحويل مشروع قرار اقترحته الولايات المتحدة على مجلس الأمن كان يهدف عمليا إلى تصفية القضية الصحراوية, إلى قرار أكثر توازنا يعيد التأكيد على المبادئ الأساسية للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة, وعلى رأسها حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وتأكيد المعايير الأساسية لحل النزاع.
و كانت الولايات المتحدة تقدمت, بصفتها "حامل القلم", بمشروع قرار بتاريخ 22 أكتوبر 2025 عكس موقفا منحازا بشكل صارخ للمغرب, سعى إلى فرض حل أحادي يقوم على مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد, مكافأة له على تطبيعه مع الكيان الصهيوني ودعمه له, لاسيما في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
لقد وصف النص الأصلي مقترح الحكم الذاتي بأنه "الأساس الأكثر مصداقية" و"الحل الأكثر جدوى", بل ذهب إلى حد اعتباره "الإطار الوحيد للتفاوض". واقترح تمديد ولاية بعثة المينورسو لثلاثة أشهر فقط, في خطوة فسرت على أنها محاولة لفرض الأمر الواقع وإنهاء دور البعثة الأممية وتحويلها إلى مجرد آلية سياسية خاصة ترعى تطبيق أطروحة الحكم الذاتي.
لكن, بفضل الجهود الحثيثة للجزائر والمشاورات التي خاضتها مع مختلف الأطراف الفاعلة, شهد النص تحولا جذريا عبر مراجعتين متتاليتين, وصولا إلى النص النهائي الذي طُرح قبل ليلة واحدة فقط من جلسة التصويت المؤجلة. حيث تجلى هذا التحول في أربعة محاور رئيسية أعادت العملية السياسية إلى مسارها المتوازن.
ويتمثل المحور الاول في أن الحل لن يمر إلا عبر حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. فقد نجحت الجزائر في فك الارتباط الذي وضعه النص الأصلي بين حق تقرير المصير وخطة الحكم الذاتي, حيث تم التأكيد على ضرورة التوصل إلى "حل سياسي نهائي ومقبول من الطرفين يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره", ليصبح هذا الحق هدفا أساسيا قائما بذاته وليس نتيجة ثانوية لخيار محدد مسبقا.
وفي هذا الصدد, أُدرج تعديل جوهري يدعو المبعوث الشخصي إلى "تنفيذ قرارات مجلس الأمن السابقة", مما يعيد العملية السياسية إلى مرجعيتها القانونية الأصلية.
أما المحور الثاني, فيتمثل في التأكيد على ضرورة مطابقة الحل لميثاق الأمم المتحدة. فبعد عدة جولات من المفاوضات, تمكنت الجزائر من تعديل توجه مشروع القرار الذي كان يركز على فرض الأطروحة المغربية كأساس وحيد للحل في الصحراء الغربية, حيث أصبح من المشترط, حسب نص القرار المعتمد, أن يكون الحل النهائي متفقا عليه من الطرفين ويتماشى مع مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة, إضافة إلى كونه يكفل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
أما فيما يخص تراجع "الحكم الذاتي" كخيار وحيد والذي يمثل المحور الرئيسي الثالث, فقد شهدت الإشارات إلى هذا المقترح المغربي تراجعا كبيرا. فبينما وصفه مشروع القرار الأول بأنه "الإطار الوحيد", تصفه الصيغة النهائية بأنه مجرد "أساس" للمناقشات وتؤكد على أنه "يمكن أن يمثل" حلا ممكنا, وليس الحل الأوحد.
كما أضاف القرار فقرة ترحب بـ"أي مقترحات بناءة من الطرفين", مما يفتح الباب رسميا أمام خيارات أخرى ويضع مقترح جبهة البوليساريو على طاولة المفاوضات.
وفيما يتعلق بالتأكيد على الدور المحوري للمينورسو كمحور رابع, فلعل من بين أهم التعديلات التي تم إحرازها تمديد عهدة للمينورسو لعام كامل حتى 31 أكتوبر 2026, بعد أن كان من المقترح تمديد ولايتها لثلاثة أشهر فقط, وهو ما يتعارض مع ما سعى إليه المغرب الذي لطالما استهدف البعثة سعيا لتحييد خيار الاستفتاء والترويج للحكم الذاتي كحل وحيد ونهائي.
هذا التمديد ليس مجرد مكسب زمني, بل هو إعادة تأكيد صريحة للدور الهام الذي تضطلع به المينورسو في دعم العملية السياسية والحفاظ على الاستقرار في المنطقة وهو ما ينسجم مع ما شدد عليه النص النهائي من خلال الإشارة إلى "أهمية احترام وقف إطلاق النار وتجنب أي عمل من شأنه أن يعرض العملية السياسية للخطر''.
وفي نفس السياق, تم حذف لغة التهديد بإنهاء البعثة واستبدالها بطلب "مراجعة استراتيجية" لمستقبلها, وهو مستقبل مرهون بتوجيهات الأمين العام للأمم المتحدة وبتوصل الطرفين إلى حل سياسي مقبول يكفل لشعب الصحراء الغربية حقه في تقرير مصيره.(واص)