المغرب بين حتمية الرجوع إلى سياسة الكرسي الشاغر او إعتماد خيار السلام مع الدولة الصحراوية

المنطق السليم يملي أن يكون المغرب قد وزن و قدر بما فيه الكفاية التداعيات و العواقب الممكنة أو المحتملة لقراره بالتخلي عن سياسة الكرسي الشاغر التى اعتمدها الحسن الثاني سنة 1984عندما فشلت كل محاولاته، خلال 3 سنوات، الرامية إلى منع الجمهورية الصحراوية من اخذ مقعدها فى منظمة الوحدة الأفريقية  التى كانت قد افتكته بعد معركة دامت من يوم اعلانها بتاريخ 27 فبراير 1976 حتى يوم 31 اغسطس 1981 تاريخ انضمامها القانوني إلى المنظمة القارية بعد اعتراف اغلبية اعضاء المنظمة بها حسب مقتضيات الميثاق و تجسيد ذلك عمليا يوم مشاركة اول وفد لها فى إجتماع وزراء الخارجية المنظمة القارية  بتاريخ 22 فبراير 1982.

تجدر الإشارة هنا إلى أن انتزاع الجمهورية الصحراوية لمكانتها المستحقة بين دول القارة، بعد طرد الإستعمار الاسباني و اثبات قدرتها الفائقة على مواجهة القوات المغربية الغازية احدثا زلزالا سياسيا قويا فى الرباط كاد أن يعصف بالنظام العلوي ألذى لجأ إلى طلب النجدة من عدة عواصم و منها باريس التى رمت بكل ثقلها للضغط على دول افريقية عديدة لمساندة المساعي المغربية الرامية إلي عرقلة انضمام الدولة الصحراوية إلى منظمة الوحدة الأفريقية.

 كان من نتائج تدخلات القوى الخارجية أن عاشت المنظمة الأفريقية ازمة استمرت سنتين تم الخروج منها بعد أن رفض الحسن الثاني وقتها تطبيق الحل الوسط الذى حدده الزعماء الأفارقة  بالاجماع فى اللائحة 104 للقمة ال19 ( يونيو 1983) و القاضي بإجراء إستفتاء لتقرير المصير يتم تحديد شروط تنظيمه العملية من لدن الطرفين المتحاربين الصحراوي و المغربي عبر مفاوضات مباشرة تحت اشراف لجنة التطبيق المشكلة من 7 رؤساء.

رفض المغرب للتفاوض مع الطرف الصحراوي بهدف تطبيق قرار القمة الأفريقية السالف الذكر، و الذى يجسد  الموقف الأفريقي المشترك، عزز من  مكانة الجمهورية الصحراوية داخل المنظمة الأفريقية التى شارك، لأول مرة، وفد رئاسي صحراوي فى قمتها ال 20 (يوليوز 1984) يقوده الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز. 

و هكذا اعلن المغرب عن الإنسحاب من منظمة  الوحدة الأفريقية فى تلك الاثناء و اصبح قراره هذا ساري المفعول بعد ذلك بسنة طبقا لأحكام الميثاق و هو ما دخل حيز التنفيذ ابتداء من شهر يونيو 1985.

تعالي الحسن الثاني و تعنته وصلا به إلى حد شتم و سب الزعماء الأفارقة ناعتا القمة بانها عبارة عن تجمع لقارعي الطبول و أن المغرب لا يشرفه حضورها. 

بعد هذا الوصف العنصري لزعماء افريقيا بادر الحسن الثاني بتقديم   طلب الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة معتقدا أن كل أنواع التنازلات و الخدمات التى يقدمها لفرنسا و لغيرها فى إطار الحرب الباردة و هيمنة الإستعمار الجديد في إفريقيا ستكون كافية لإحتضانه اوروبيا بعد القذف به خارج البيت الأفريقي إلا أن طلبه قوبل بالرفض السريع.

و هكذا استمرت سياسة الكرسي الشاغر لمدة تزيد على ثلاثة عقود حاول خلالها المغرب بكل الوسائل الرجوع إلى حظيرة المنظمة الأفريقية بشرط طرد الجمهورية الصحراوية منها.

 المساعي المغربية لإسترجاع الكرسي الأفريقي على حساب الدولة  الصحراوية فشلت فشلا ذريعا و عمقت من عزلة المغرب إفريقيا و دوليا و جعلته فى موقع المتفرج خارج عالم يشهد قيام تجمعات اقليمية، سياسية و إقتصادية، من اهمها إنشاء الإتحاد الأفريقي و بروزه كقوة فاعلة لها وزن معتبر تساهم في تحديد  السياسات الدولية و تشارك فى وضع الأجندة فى إطار المؤتمرات المتعددة الأطراف. 

سياسة الكرسي الشاغر التى تجسد العزلة الخانقة للمغرب منعته من المشاركة ضمن المنظمة الأفريقية  لحضور المفاوضات الهامة لتحديد الموقف الأفريقي الموحد. 

هذه الحقائق الثابتة هي التى فرضت على المغرب أن يتخلى عن شرطه المستحيل المتمثل فى طرد الجمهورية الصحراوية لكي يتسنى له الرجوع إلى المنظمة القارية.

و للتذكير كان الحسن الثاني الذى قاد الحرب بنفسه و اشرف على التفاوض قد علم  باستحالة طرد الدولة الصحراوية و لذلك قرر الدخول فى المفاوضات و بتنظيم إستفتاء تقرير المصير لكي يعطي التغطية القانونية و الديمقراطية لإنسحاب المغرب من الصحراء الغربية و انهاء الحرب و التوجه إلى السلام العادل إلا أن ابنه و فريقه الذى تنقصه التجربة و الحكمة فرطوا فى التجربة و تهوروا عندما اعادوا القضية إلى المربع الأول.

التراجع عن حصائل و تجربة ستة عشر سنة من الحرب على كل الساحات و خاصة العسكرية و الدبلوماسية فرض على محمد السادس و فريقه ابتلاع كل شروط الانضمام إلى الإتحاد الأفريقي و منها :

1- رسالة رسمية من طرف المغرب لإلتماس الإنضمام إلى الإتحاد الأفريقي 

2-- توقيع ملك المغرب على القانون التأسيسي الذى يتضمن فى سطوره الأولى إسم الجمهورية الصحراوية ضمن لائحة الدول الأعضاء المؤسسة.

3- مصادقة غرفتي البرلمان المغربي باجماع كل الأحزاب و الاطياف السياسية على القانون التأسيسي الذي يلزم الدول الأعضاء باحترام الحدود الدولية المعترف بها و منع ضم الاراضي بالقوة ضمن مبادئ و أهداف الإتحاد.

4- نشر المرسوم الملكي الذي يتضمن التوقيع على القانون التأسيسي و المصادقة عليه فى الجريدة الرسمية المغربية.

5- - الإيداع الرسمي لوثيقة التصديق الموقعة من طرف الملك لدى مفوضية الإتحاد.

6-- قبول المغرب بالاجراءات المعمول بها فى إطار تنظيم العمل و منها انتسابه إلى اقليم الشمال الذى تتولى عمادته الجمهورية الصحراوية(و يضم مصر و ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب و الجمهورية الصحراوية و موريتانيا) و خضوعه للإجراءات المعمول بها منها مراسلة الإتحاد عن طريق العمادة فى كل ما يتعلق بالترشح للمناصب او العضوية فى مختلف هيئات الإتحاد و لجانه من ضمن اجراءات اخرى.

و فى هذا الإطار كان لزاما على المملكة المغربية مثلا مراسلة عميد اقليم الشمال، الممثل الدائم للجمهورية الصحراوية، لكي يسجل ترشيح المغرب للسيدة لطيفة أخرباش لمنصب نائب رئيس المفوضية لكي يقبل ترشيحها و هو نفسه كذلك الذى أشرف مع عمداء الأقاليم الأربعة الأخرى على الإنتخابات التى جرت منذ أيام خلال القمة ال38 للإتحاد و التى شهدت اقصاء المرشحة المغربية و فوز المرشحة الجزائرية للمنصب السالف الذكر.

من كل ما سبق يتضح أن مشكل المغرب ليس هو انتهاح سياسة الكرسي الشاغر او عكسها بالجلوس عليه و تسخينه و إنما يكمن فى الهروب من الإعتراف الرسمي بالجمهورية الصحراوية التى إعترف بها ضمنيا و يتعايش معها كل يوم أمام الملإ حتى و لو كانت المواجهة هي الطابع المسيطر على لذلك التعايش المرشح بحكم الواقع الموضوعي الثابت و المعزز الواقع الموضوعى و بالقانون  أن يتحول إلى تعايش سلمي و هادئ.

صاحبت انضمام المغرب إلى الإتحاد الأفريقي مغالطات و شعارات و خاصة هدر لأموال طائلة و تم تسويق ذلك الإنضمام، ألذى كان هدفه الحقيقي هو الخروج من العزلة و التغطية على الوضعية الداخلية التى تشرف على الإنفجار و تهدد بنهاية العرش العلوي حيث كان لابد من تسويق اعلامي لذلك،  كان إذن، تسويقه على أنه يرمي اساسا إلى طرد الجمهورية الصحراوية من الإتحاد الأفريقي او ما تسميه الدعاية الرسمية ب " طرد الكيان الوهمي".

انضمام المغرب إلى الإتحاد الأفريقي و جلوسه إلى جانب الدولة الصحراوية هو الذى سهل حضورها فى كل قمم الشراكة بين الإتحاد الأفريقي و جميع المنظمات القارية و الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة و غيرها و فتح الباب امامها للإنضمام إلى الأمم المتحدة.

لقد إتضح، بشكل جلي، أن أي محاولة لإقصاء الدولة الصحراوية من الإتحاد الأفريقي او حتى من مؤتمرات و قمم الشراكة، مهما كان نوعها و من أي جهة اتت، سيكون مآلها الفشل. و غير بعيد عنا آخر محاولة مغربية اشبه بالإنتحارية فى طوكيو و قبلها فشل قمة الشراكة بين الإتحاد الأفريقي و جامعة الدول العربية التى لم تنعقد بسبب امتناع البلد المضيف، بتحريض مغربي-إماراتي-فرنسي، عن قبول شرط استضافة جميع الدول الأعضاء فى المنظمتين بكل مساواة و بدون إقصاء او استثناء كما هو متعارف عليه و معمول به عالميا.

و إذا افترضنا جدلا على ان التخلي عن سياسة الكرسي الشاغر و الإنضمام إلى الإتحاد الأفريقي (يناير 2017)  ليس من أجل التغطية على الأزمة الهيكلية، التى باتت تنخر جسم النظام الملكي المخزني، و إنما هي قرار إستراتيجي من خلفية وحيدة تهدف إلى القضاء على تواجد الدولة الصحراوية على الصعيدين الإقليمي و الدولي لأن ذلك يشكل ممرا اجباريا نحو تشريع الإحتلال، فإن كل الوقائع الموضوعية و الأحداث و المواقف الدولية تؤكد أن نتائج و حصائل ذلك القرار الاستراتيجي اتت تماما بعكس الهدف الذى اعتمدت من أجل تحقيقه.

و بالفعل فالمجتمع الدولي ( منظمات و محاكم اقليمية و دولية) يؤكد، باستمرار و فى كل مناسبة، ان المغرب لا يملك أي سيادة على الصحراء الغربية و أن الشعب الصحراوي يتمتع بالحق فى تقرير المصير و الإستقلال. 

و كانت محكمة العدل الأوروبية و هي هيئة قارية،  لها رمزية خاصة، باعتبار علاقة المغرب الخاصة بأوروبا ، كانت هي آخر من حكم، اكتوبر الفارط، ببطلان الإتفاقيات المبرمة معه لتضمينها ثروات و اراضي الصحراء الغربية لأن المحكمة اكدت بأن الصحراء الغربية و المغرب بلدان منفصلان و متمايزان و أن هذا الأخير ليست له سيادة و لا يمكن للإتحاد الأوروبي التعاقد معه و فى نفس الوقت اعترفت المحكمة الأوروبية بأن جبهة البوليساريو هي الممثل الشرعي للشعب الصحراوي و أن لها الأهلية للدفاع عن كل حقوقه و الترافع عن مصالحه أمام القضاء الأوروبي.

هذه العوامل الملموسة المعززة بحقيقة الواقع الوطني الصحراوي الموجود و المعترف به، و الذى برهن بأنه معادلة صعبة غير قابلة للإختزال و الإقصاء، هي التى جعلت المغرب يطبق إستراتيجية بديلة تهدف إلى ربح الوقت و تأثيثه، للتغطية على وضعية الانهيار الداخلي، و ذلك عبر الدخول فى مقايضات خطيرة و خاسرة بالإضافة إلى شراء الدكاكين المسمات بالقنصليات باثمان عالية من أجل اعطاء الإنطباع أن إستراتيجية التخلي عن سياسة الكرسي الشاغر بهدف طرد الدولة الصحراوية من الإتحاد الأفريقي ما زالت قائمة بل أنها تحقق تقدما ملموسا.

ستكون لهذه الاستراتيجية البديلة خسائر أكبر و نتائج كارثية على المغرب الذى اصبح مرشحا للإنفجار فى اية لحظة بما فى ذلك نهاية النظام العلوي الحاكم.

لا يمكن لقرار  ماكرون أن يهدي للمغرب السيادة على الصحراء الغربية كما ان تغريدات ترامب لا تغير الطبيعة القانونية لقضية الصحراء الغربية و انبطاح سانتشيس و هرولته لن تعطي صفة لإتفاقية مدريد المشؤومة و السيئة الذكر سوى انها خيانة موصوفة.

و شراء البيانات و تزوير التصريحات، التى تعج بها وسائل الاعلام المغربية حول ما يسميه المغرب بجدية مقترحه للحكم الذاتى اصبحت مهزلة غير قابلة للإستهلاك و لا تصمد أمام اول امتحان حقيقي.

و مهما اختبأ الجندي المفربي وراء الأحزمة و عول على طائرة ادرون (drone) فإن الهزيمة امامه و فى إنتظاره. 

التأكد اليوم، و انطلاقا فقط من التجربة الحديثة المسجلة منذ انضمام المغرب الى الإتحاد الأفريقي عام 2017، من فقدان إستراتيجية طرد الدولة الصحراوية من الإتحاد الأفريقي للصلاحية نتيحة لعدم صحة الأسس و المعطيات التى بنيت عليها و حصول اليقين من إستحالة نجاحها، سياسيا و قانونيا، لن يبق امام المغرب سوى أن يختار بين السلام مع جارته الجنوبية و الإعتراف بالحدود الدولية المعترف بها بين البلدين لأن الرجوع إلى خيار سياسة الكرسي الشاغر و مواصلة المغامرة فى الصحراء الغربية يعتبر إنتحارا لأن اعتماد ذلك النهج الخاطئ هو السبب الرئيسي فى اذلال الشعب المغربي و تشريده و بيع كرامة المغربيات و المغاربة و تجويعهم و هدر مقدراتهم و اموالهم لشراء الذمم و المقايضات الخاسرة.
امحمد/البخاري 19 فبراير 2025