لماذا ما يسمى بمشروع "الحكم الذاتي فى إطار السيادة المغربية " لا يمكن أبدا أن يكون حلا للنزاع الصحراوي-المغربي؟(مقال )

جمعة 26/09/2025 - 13:32

الشهيد الحافظ ، 26 سبتمبر 2025 (واص)-

و لماذا لا يمكن للمغرب أن يهزم الشعب الصحراوي ؟

و أخيرا، لماذا سيفقد المغرب سيادته الوطنية جراء جريه العبثي وراء وهم البحث عن سيادة مستحيلة على الصحراء الغربية ؟ 
----------------------------------------

سنستعرض تباعا هذه المواضيع الثلاث

أولا: المشروع المغربي للحكم الذاتي لا يمكن أن يكون حلا

بالفعل، لا يمكن للمقترح المغربي المعروف تحت اسم الحكم الذاتي أن يكون حلا، لأنه اولا٫ لن يحصل على موافقة الشعب الصحراوي و بهذا فهو ليس حلا توافقيا، و ثانيا، ليس حلا واقعيا لأنه مجرد تشريع للإحتلال  المغربي اللاشرعي و يتناقض مع الطبيعة القانونية للقضية الصحراوية و يخرق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، و ثالثا لن يكون مقبولا لأنه يشترط الإستسلام على الشعب الصحراوي و يطلب أن يسلم الطرف الصحراوي مسبقا للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية و هذا شيء لن يحصل حتى و لو اشرقت الشمس من مغربها.

و تجدر الإشارة إلى أن هيئات المجتمع الدولي من منظمات و محاكم دولية و اقليمية لا تعترف للمغرب بأية سيادة على الصحراء الغربية و ان الجمعية العامة للامم المتحدة كانت قد صادقت فى دورتها ال15 على اللائحة 1514 التى تضمنت تصريحها الخاص بمنح الإستقلال للشعوب و البلدان المستعمرة و عززتها فى نفس الدورة بالمصادقة على اللائحة 1541 التى حددت فيها الخيارات الثلاث التى يمنحها حق تقرير المصير لتلك الشعوب و هي :
-الإستقلال 
-الإنضمام إلى دولة مستقلة 
-الشراكة مع دولة مستقلة.
 
و لا يفوتنا هنا أن نبرز أن الجمعية العامة للامم المتحدة ما زالت تؤكد فى كل دوراتها السنوية منذ سنة 1965 على حق الشعب الصحراوي فى تقرير المصير و الإستقلال.

و إذا كان الحكم الذاتي يمكن أن يكون خيارا ثالثا إلى جانب خيار الإستقلال و خيار الإنضمام فى عملية إستفتاء لتقرير المصير ديمقراطية و شفافة  فإنه لا يمكن أن يكون خيار وحيدا و لن يقبل أبدا أن يشكل قاعدة للمفاوضات.

خمسة عقود من الحرب و الصمود اثبتت أن الشعب الصحراوي متمسك بحقه الثابت و غير القابل للتصرف او التقادم في تقرير المصير و الإستقلال. قناعة الشعب الصحراوي بعدالة قضيته و ايمانه العميق بملكيته لأرض اجداده لا يساويهما إلا ايمانه بالله و باليوم الآخر و لذلك فإن الرهان على أن الصعوبات و المخاطر او الموت الفردي او الجماعي سيغير من هذه القناعات يعتبر غلطا فادحا فى التقييم و وهما اقرب إلى "فروسية دون كيخوطي دي لامنتشا".

و هكذا فعندما تيقن الحسن الثاني من هذه الحقيقة الصلبة عدل عن مشروع الضم بالقوة و حاول، بصفة شخصية و مباشرة مع الطرف الصحراوي او عن طريق الوسطاء، و هذا لعدة سنوات، ايجاد صيغة يضمن بها السيادة على الصحراء الغربية، مقترحا حلا يطلب فيه الحسن الثاني أن يترك للمغرب "العلم و الطابع البريدي".  إلا أنه عندما تأكد من استحالة ذلك بالإضافة إلى الكوارث التى ستنتج عن الإستمرار فى الحرب على عرشه و على المغرب قرر أن يتوجه إلى الإستفتاء باعتباره الحل الديمقراطي، السلمي و الذى وصفته الأمم المتحدة و الوحدة الأفريقية فى مقدمة مخطط التسوية لسنة 1991 بأنه هو الحل "التوافقي و العملي و المعقول".

الحسن الثاني، الذى كان فعلا هو الذى يسير الحرب مباشرة و يقود الدبلوماسية شخصيا، قرر فعلا أن ينتشل المغرب من مغامرة الصحراء الغربية التى لها مضاعفات كارثية و ان ينقذ عرشه، بعد أن حقق هدفه الأول المتمثل فى إبعاد الجيش عن دفة الحكم، على إثر محاولتي انقلاب، و بعد أن تيسر له أيضا تحقيق هدفه الثاني من خلال القضاء على المعارضة الداخلية و سحب البساط من تحت اقدامها و تدجينها إلى درجة ضم أحزابها و نقاباتها الى صف الأحزاب الإدارية الموالية للقصر و المصنوعة فى إدارات وزارة الداخلية عندما اختلق لها وظيفة ملكية تحت شعار حكومة التناوب.

توجه الحسن الثاني للإستفتاء كحل توافقي، مطابق للشرعية الدولية و أدلى بتصريحاته المشهورة التى مفادها بأنه سيقبل بنتيجته حتى و لو كانت الإستقلال و انه اذا حصل ذلك سيكون المغرب "اول من يفتح سفارته فى المدينة التى يختارها الصحراويون أن تكون عاصمة لهم"، يدل على  ان الرجل، و هو معروف بالذكاء و القدرة الفائقة على الإستشراف و اتخاذ القرارات الصعبة، قد قيم بما يكفى كل السيناريوهات الممكنة و المحتملة و حلل جيدا نسبة احتمالات تطبيقها و تأثير نتائجها قبل أن يتخذ الموقف النهائي المتمثل فى توقيع حكومته على مخطط التسوية سنة 1991.

رفض لجنة المينورسو لتحديد هوية الناخبين لمشاركة المستوطنين المغاربة الذين تم ترحيلهم من المغرب إلى المدن الصحراوية المحتلة فى عملية الإستفتاء لم تغير من موقف الحسن الثاني ألذى تأكد أن خلاص عرشه و سلامة المغرب يقتضيان الخروج بأقل الاضرار و وقف فاتورة الحرب التى زادت المغاربة فقرا و جوعا و انهاء مغامرة التوسع و العدوان و فتح صفحة سلام مع الجمهورية الصحراوية لما لذلك من انعكاسات ايجابية على التعاون و التكامل بين شعوب المنطقة.

و تجدر الإشارة إلى أنه و بعد وفاة الحسن الثاني و مغادرة رجل ثقته و مساعده الأيمن، إدريس البصري،  الذى لجأ إلى فرنسا صرح هذا الأخير عندما سمع أن محمد السادس و فريقه سيقدمون مقترحا لحل قضية الصحراء الغربية،التى انهكت المغرب و جعلته يقترب من السكتة القلبية، قال ادريس البصري فى مقابلة صحفية مشهورة: " أن من يقترح مشروعا للحكم الذاتي لا يريد حلا لقضية الصحراء و إنما يريد خلق مشكل كبير للمغرب ".

ثانيا- لماذا لا يمكن للمغرب أن يهزم الشعب الصحراوي ؟

لا يمكن للمغرب أن يربح السجال مع الشعب الصحراوي لأنه يعتمد فى استراتجيته على عنصرين يعتقد انهما كافيين لإحراز النصر و هما عامل الفارق الكبير فى التعداد البشري ( العامل الديمغرافي)  بين الطرفين و عامل  تكوينة الشعب الصحراوي الإجتماعية ( القبائل ).  

و هنا لا بد أن نسجل أن هذه الاستراتيجية المغربية مبنية على نظرة سطحية لا تأخذ بعين الإعتبار طبيعة الحرب ( حرب العصابات) كما انها تلغى عاملي الوعي و الهوية و العلاقة الجدلية بين النوع و الكم و هي هما العوامل الحاسمة فى مثل هذا النوع من الحروب.

فهبة الشعب الصحراوي و إنضوائه تحت لواء الجبهة الشعبية و تمسكه بالوحدة الوطنية و اندفاعة ابنائه إلى جبهات القتال تدل على أن رهان المحتل المغربي المتمثل فى اللعب على التركيبة الإجتماعية او العددية للشعب الصحراوي هي مراهنة مغلوطة تماما و خاسرة لأن تمسكه بحقوقه و حريته و هويته جزء من وجدانه و من تركيبته النفسية و الروحية.

و هكذا يظهر جليا أن بعض حكام المغرب الجدد، من فريق محمد السادس، و الذين يتولون تسيير النظام باسمه ، لم يفهموا أن نصف قرن من مقاومة الشعب الصحراوي و صموده يثبت أن هزيمته و اركاعه وهم خطير و خيال زائف و تقدير خاطئ و اكثر من ذلك فإنه جزء من المستحيلات السبع.

و يظهر أن الاستنتاجات و الاستخلاصات التى توصل اليها الحسن الثاني بعد 16 سنة من الحرب لم يقراءها حق قراءاتها فريق محمد السادس.

ما هو إذن سر عدم إمكانية هزيمة الشعب الصحراوي من طرف المغرب؟

هناك ابعاد جوهرية و اسباب هامة تغيب عن المغرب كما كان الحال بالنسبة لإسبانيا قبله و منها: 

 أ- لأن الإنسان الصحراوي متيقن انه لا توجد قوة فى هذا الكون يمكن أن تهزمه عندما يكون على حق.
 و هذه الخاصية الوراثية الفريدة لها طبيعة وجدانية و تشكل جزءا من العقلية و النفسية عند كل صحراوي و صحراوية.  

و من ذلك أن الإنسان الصحراوي يخرج من بطن أمه بحمض نووي يحتوي على رفض الخنوع و الإكراه و الذل و لا يخشى الموت فى سبيل الكرامة و الحق. و منذ الطفولة يتعلم الإنسان الصحراوي الصبر على المآسي و الآلام و النكبات و يصبح رفع التحديات بالنسبة له ممارسة عادية مهما كانت الصعوبات.

ب- لأن الإنسان الصحراوي يفضل الموت على حياة الذل فهو من الناحية السيكولوجية لا يهدأ له بال و لا يشعر بالراحة أو بالإطمئنان إلا عندما ينتصر على الظلم و الإهانة و بعدما يرفع التحدي مهما كان نوعه لأن الموت فى نظره فرض و الذل ليس فرضا او كما يقول بالحسانية " الموت فرظ و الرگة ماه فرظ". 

فهوية الانسان الصحراوي جبلته على عزة النفس و الكرامة و عشق الحرية التى هي الأوكسوجين الذى يستنشقه فى المناخ الصحراوي الطبيعي الذي تربى و عاش فيه اجداده منذ قرون و ينطبق على هذا تماما قول الشاعر عنتر بن شداد:

حكم سيوفك فى رقاب العذل 
و إذا نزلت بدار ذل فأرحل 
و إذا بليت بظالم كن ظالما 
و إذا لقيت ذوي الجهالة فاجهلي
و اختر لنفسك منزلا تعلو به 
او مت كربما تحت ظل القسطل

ج- سياسة المحتل الرامية إلى مغربة الإنسان الصحراوي و طمس هويته ستأتي حتما بنتائج عكسية تماما.

فشخصية الانسان الصحراوي المتميزة ستكون لها، لا محالة، الكلمة النهائية و الأخيرة فى كل سجال أو معركة عندما يكون متيقنا أن الحق بجانبه. و هكذا كان الامر و سيبقى مع تعاقب الأجيال.

فحكام المغرب الذين تعودوا على الخنوع و الركوع و تقبيل الأيادي و الإهانة و يظنون أن ذلك يمكن أن يفرض على الشعب الصحراوي لم يفهموا درس التاريخ لأن العكس هو الذى سيحصل فى النهاية بحيث ان الإقتراب كثيرا من الصحراويين و الاحتكاك بهم سيحدث عدوى الحرية و التمرد على الطغيان فى اوساط المغاربة يكسرون بها اغلال المخزن المفترس. و ربما يكون هذا العنصر من بين العوامل التى دفعت بالحسن الثاني إلى أتخاذ قرار فك الارتباط بالصحراويين قبل فوات الآوان.

ثالثا- لماذا سيفقد المغرب سيادته نتيجة لسعيه العبثي وراء وهم السيادة على الصحراء الغربية ؟

اعتمد المغرب فى حربه التوسعية على دعم سياسي و عسكري من فرنسا و دول غربية عديدة و على دعم مالي من دول خليجية كانت تدفع فاتورة مشتريات السلاح و الذخائر بالمليايير من الدولارات.

لكن مقاومة جيش التحرير الشعبي الصحراوي التاريخية اسفرت عن افشال كل خطط العدو الذى عادة ما ينسحب من المواجهات الكبيرة تاركا فى الميدان وراءه جثث الموتي بالعشرات و العديد من مختلف الأسلحة و أنواع المعدات. اما  الأسرى فقد وصل عددهم إلى الآلاف بين الضباط و الطيارين و الجنود.

خلال 16 سنة من الحرب التى شهدت معارك طاحنة لم يعد بعدها أمام  المغرب سوى رفع الراية البيضاء او طلب المزيد من التدخل الخارجي إلى جانب قواته.

خيار محمد السادس و فريقه التملص من إلتزامات المغرب ضمن مخطط التسوية و مواصلة الحرب و السياسة العدوانية و التوسعية فرض عليه رهن سيادة المغرب نفسه لعدة قوى خارجية مقابل حمايتها للعرش و ايهام نظامه المخزني بضمان السيادة له على الصحراء الغربية.

نرى هكذا أن سياسة التعنت على مواصلة العدوان أفقدت المغرب، مع كامل الأسف، لسيادته على ترابه الوطني داخل حدوده الدولية المعترف بها و فى نفس الوقت الذى لن يحقق فيه السيادة على الصحراء الغربية، مهما فعل، كما اتضح خلال خمسة عقود.

إن القوى القديمة و الجديدة التى انحازت اليوم علنا إلى جانب العدوان المغربي على الشعب الصحراوي هي نفسها التى كانت وراء مؤامرة تقسيمه و هي التى سلحته منذ 1975 و شاركت بخبرائها فى تسيير الحرب و تدخل بعضها بقواته مباشرة في المعارك. إنها هي التى تمنع الشعب الصحراوي من ممارسة حقه فى تقرير المصير و هي التى تعرقل تنظيم الإستفتاء. و هي ايضا التى تحول دون جلوس الدولة الصحراوية على مقعدها فى الأمم المتحدة.

إن ارتهان سيادة المغرب لعدة دول اليوم يذكر بالحالة الفريدة التى خضعت لها بالأمس مدينة طنجة التى كانت تحت إدارة أستعمارية دولية مشتركة مكونة من 14 دولة.

إن المعطيات الموضوعية و الملموسة التى تفسر أن المشروع المغربي لا يمكن أن يكون حلا و تثبت أن مواصلة سياسة العدوان و التوسع افقدت المغرب سيادته هي نفسها المعطيات الموضوعية و الملموسة التى تبرهن على أن المملكة المغربية لن تستطيع أبدا هزيمة الشعب الصحراوي.

 فجلوس المغرب إلى جانب الجمهورية الصحراوية فى قمم الإتحاد الأفريقي و مؤتمرات الشراكة بعد مقاطعة دامت 33 سنة تفسر أن سياسة المغرب العدوانية و التوسعية تسبح عكس مجرى تيار التاريخ بالإضافة إلى مناقضتها لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الصحراوية.

إن تمسك الشعب الصحراوي بحقوقه الوطنية المشروعة و بإسلوب حرب التحرير و تحضيراته الجارية لتخليد خمسينيات الوحدة الوطنية و إعلان الجمهورية الصحراوية تشكلان عربونا على التصميم القوي لمواصلة الدرب على طريق الشهداء و هو الشيء الذي يثبت أن الدولة الصحراوية المستقلة هي الحل.
أمحمد/ البخاري  26 سبتمبر 2025

Share