دبلوماسي صحراوي يتطرق إلى مخاطر ما يسمى الحكم الذاتي على مسار تصفية الاستعمار

اثنين 04/03/2024 - 13:52

الشهيد الحافظ 04 مارس 2024 (واص) - نشرت صحيفة أنديبديينتي الإسبانية، مقالا للدبلوماسي الصحراوي عاليين حبيب الكنتاوي، تطرق فيه إلى مخاطر ما يسمى "الحكم الذاتي" على مسار تصفية الاستعمار.

وأشار الدبلوماسي الصحراوي إلى أن "التجربة التاريخية للقارة الإفريقية تثبت أن تصفية الاستعمار لم تكن بالضم ولا بالحكم الذاتي، وأن ممارسة الحق في تقرير المصير أثناء تلك العملية، كانت تجري وفق تعريف بحت يقود إلى الاستقلال وولادة أمة جديدة".

وأكد السيد عاليين حبيب الكنتاوي، أنه "مهما أردنا الخروج عن هذا التقليد، فإن مسألة الصحراء الغربية لا يمكن تناولها إلا ضمن هذا السياق، فمحاولة فرض منظور آخر سنة 1975 أدى إلى حصول الكارثة التي أبقت منطقة المغرب العربي بأكملها في حالة من القلق والتوتر المستمر".

نص المقال :  

مخاطر "الحكم الذاتي" في سياق تصفية الاستعمار في إفريقيا بخصوص النزاع في الصحراء الغربية، عادت إلى الظهور مؤخرا، مجموعة كبيرة من آراء الأكاديميين والخبراء والدبلوماسيين في وزارات الخارجية الغربية، بالتزامن، أيضا، مع العديد من الزيارات إلى المنطقة. جميع هؤلاء، كل على طريقته ومن موقعه الخاص، يُبدون "حماسا" ورغبة جامحة في حل النزاع، حيث يرى جميعهم أن إطالة أمد النزاع تقود إلى منزلق خطير لا يمكن السيطرة على تداعياته الكارثية.

البعض، ممن يشعرون بالقلق إزاء الاستخفاف بالقانون الدولي، يطالبون باحترام الحقوق المشروعة للشعب الصحراوي، فيما يعلن آخرون، في ما يشبه تقريبا "صرخة ذنب" أن النزاع استمر لعقود، وأن الوقت قد حان لوضع حد فوري له ولحالة العطالة المزمنة لحله. هؤلاء يزعمون، انطلاقا من مشاعر انشغال مزيفة، أن الرغبة الحقيقية للشعب الصحراوي لا تزال غير واضحة. ومع ذلك، وللمفارقة فمن بين كل الخيارات الممكنة لاحترام رغبة الصحراويين، لا يجدون حرجا في اختيار أقل الخيارات ملاءمة، وأقلها مصداقية، وديمقراطية وواقعية. إنهم لا يكتفون بالتلميح فقط، بل يكررون إلى حد الغثيان، أن "الحكم الذاتي" وهو الاقتراح الفارغ وغير المناسب أصلا كما يعرف الجميع، يعتبر الخيار الأفضل الذي يلبي تطلعات الشعب الصحراوي، ومن هؤلاء من يضيف على المقترح، ب"حماسة" أكبر، صفة "الأكثر" لتمييز أنفسهم عن البقية.

 ثمة الكثير من الأسف لعدم التوصل إلى حل للنزاع، وهناك الآن العديد من الجهود المبذولة في البحث عن خيارات للحل، لكن ما زال يتم تجاهُل وبشكل ممنهج، ما تم الاتفاق عليه، باعتباره الحل الأكثر، من الغريب ديمقراطية وإنصافًا حقا، رؤية هذه الجهود المحمومة لدفن خيار الاستفتاء، وهو الخيار الوحيد الذي حظي بقبول جبهة البوليساريو والمملكة المغربية وإجماع مجلس الأمن الدولي. والأغرب، كذلك، هو أن هذه الجهود وهذا الحماس الطاغي الذي تجدد مؤخرا لا يستحضر، بل يسعى إلى إقبار مقترح جبهة البوليساريو الذي قدمته إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن في 10 أبريل 2007 أياما قبل أن يصبح الاقتراح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي معروفا لدى المجلس.

وفي خضم كل هذا الضجيج، تتكشف النوايا الحقيقية للعديد من المتحدثين والمبعوثين في هذا الإطار، وهو ما أدى إلى إثارة التوجس والشكوك والتساؤل المشروع في مختلف بلدان المنطقة ولدى الشعب الصحراوي حول الخلفيات الحقيقية والأهداف الكامنة وراء التحرك.

التجربة التاريخية للقارة الإفريقية تثبت أن تصفية الاستعمار لم تكن بالضم ولا بالحكم الذاتي، وأن ممارسة الحق في تقرير المصير أثناء تلك العملية، كانت تجري وفق تعريف بحت يقود إلى الاستقلال وولادة أمة جديدة.

ومهما أردنا الخروج عن هذا التقليد، فإن مسألة الصحراء الغربية لا يمكن تناولها إلا ضمن هذا السياق، فمحاولة فرض منظور آخر سنة 1975 أدى إلى حصول الكارثة التي أبقت منطقة المغرب العربي بأكملها في حالة من القلق والتوتر المستمر.

في عام 1950 وقبل إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية 1963، التي سبقت الاتحاد الإفريقي 2002، جرت محاولة لفرض مفهوم الحكم الذاتي كشكل من أشكال إنهاء الاستعمار، وكانت إريتريا بمثابة حقل لتلك التجربة المحفوفة بالمخاطر في لحظة حاسمة من النضال من أجل تحرير إفريقيا. لقد كانت النتيجة فشلا ذريعا وثمنا باهظا من المعاناة والمآسي للقارة الإفريقية. ففي 02 ديسمبر 1950 أصدرت الأمم المتحدة القرار المشؤوم رقم 390 د5 الذي حرم شعب إريتريا من حقه المشروع في دولة حرة مستقلة. بدلاً من ذلك، تم فرض الحكم الذاتي داخل الإمبراطورية الإثيوبية كصيغة لتصفية الاستعمار في إريتريا. ورغم ضمانات مجلس الأمن واتساع نطاق الحكم الذاتي ووجود مراقبين دوليين، إلا أنه، وفي مدة وجيزة، تحول الحكم الذاتي لإريتريا إلى إلحاق تام بناء على قرار من جلالة الإمبراطور هايلي سيلاسي، إمبراطور إثيوبيا، الذي كان يعتبر ظل الخالق على الأرض، وكانت تصريحاته ومراسيمه مقدسة، ولا يمكن للقانون والاتفاقيات أن تكون عقبة أمام سلطته. ومع ذلك، في النهاية، لا شيء تمكن من منع أو إيقاف حكم التاريخ الحتمي. فإطالة أمد الصراع وغطرسة جلالته ورهانه الأعمى على التحالفات الخارجية، أفضت إلى تآكل إثيوبيا القاتل والإطاحة بالإمبراطور هايلي سيلاسي وبالنظام الذي حل محله.

أخيرا وبعد 42 عاماً من الكارثة الإقليمية وثلاثين عاماً من الحرب، تتوب الأمم المتحدة وتعترف بخطئها وتعود إلى المربع الأول، من خلال إنشاء بعثة مراقبة الأمم المتحدة للتحقق من الاستفتاء في إريتريا سنة 1992 والذي تم تنظيمه عاما بعد ذلك، مؤديا إلى معالجة التظلم الذي فرضته التحالفات المؤقتة، على حساب الشرعية، ضد إرادة شعب إريتريا وضد روح وعقيدة تصفية الاستعمار من إفريقيا.

لقد كانت تجربة إريتريا تجربة مريرة، أدت إلى واحدة من أكثر الحروب دموية في تاريخ القارة، وما ترتب عنها من مجاعات ونزوح وزعزعة مزمنة لاستقرار القرن الإفريقي، مازالت تعاني المنطقة من تبعاته في الحاضر والمستقبل.

في النهاية، وقع الأمر الحتمي، ألا وهو استقلال إريتريا عن إثيوبيا، بالرغم من الروابط التاريخية واللغوية والثقافية المتعددة. واليوم، مرة أخرى، تجري في الصحراء الغربية محاولة لتكرار نفس الصيغة من خلال المقاربات المشبوهة أو الحلول التوافقية مع قوة الاحتلال، متجاهلة إرادة الشعب الصحراوي، فصيغة "الحكم الذاتي" تجربة أثبت التاريخ فشلها وتتنافى مع روح مبدأ تصفية الاستعمار من إفريقيا. هذه الصيغة التي تمت محاولة فرضها على إريتريا، تعود اليوم إلى الظهور لفرض وإضفاء الشرعية على احتلال الصحراء الغربية، وكأن من يقفون وراءها لم يفهموا درس التاريخ، وأنها ستؤدي حتما في شمال إفريقيا، إلى نفس النتائج الكارثية والضارة التي أنتجتها التجربة الإريترية في القرن الإفريقي. السبب هو غياب العنصر الأساسي؛ موافقة الشعب الصحراوي واحترام إرادته، تماما كما تم تجاهل موافقة وإرادة شعب إريتريا بالأمس. لم يكن من قبيل الصدفة إطلاقا أن الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية كانوا على حق من خلال تأكيدهم على أن احترام حق تقرير المصير باعتباره قاعدة قطعية للقانون الدولي، في السياق التاريخي لإفريقيا، يعتبر الطريق الوحيد الكفيل بضمان استقرار القارة.

ومن هنا جاء الميثاق التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الإفريقي لاحقا، حيث تم وضع هذه القاعدة في سياقها لإعادة التأكيد على مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة من الفترة الاستعمارية، وهو ما انتهكه الغزو المغربي، مما يشكل سابقة بحق مبدأ تم تكريسه كعقيدة ضد أي مسعى لبلقنة القارة. نفس المبدأ تم اعتماده أيضا في أمريكا اللاتينية بعد الاستقلال لمنع الصراعات الناجمة عن المطالبات والمطالبات المضادة.

وفيما يتعلق بالصحراء الغربية تحديدا، قامت منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1982 بقطع الشك باليقين فيما يتعلق بتفسير هذا المبدأ، من خلال إعلانها الاعتراف بالجمهورية الصحراوية كدولة كاملة الحقوق داخل المنظمة. ويعتبر هذا الاعتراف بمثابة التعبير الشرعي عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وتجسيدا للتأويل الحقيقي الصارم للمبدأ المنصوص عليه في الميثاق التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية.

وفي الحقيقة، فإن استنفاد كافة إمكانيات الوساطة حتى يحترم المغرب هذا المبدأ الأساسي ويقبل به كإطار حصري للقضية، ومواصلة تعنته لفرض الأمر الواقع هو ما عجل بهذا الاعتراف التاريخي. هذا الاعتراف يعتبر مثالا ونموذجا يحتذى، خاصة بالنسبة للأمم المتحدة، حيث رفض العمل به يشكل السبب الرئيس وراء العرقلة وإخفاقها في استكمال مسار تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية.

 إن فرض الحكم الذاتي على الشعب الصحراوي ضد إرادته سيكون بمثابة فرض حرب دائمة في المنطقة. إنه غباء بَين لا يمكن تصوره. وإلا كيف يتم تجاهل المحاولة الكارثية لفرض الحكم الذاتي على إريتيريا داخل إثيوبيا الإمبراطورية تحت حكم الإمبراطور هايلي سيلاسي؟ من المؤسف جدا، أننا لم نتعلم إلا القليل من التاريخ المضطرب لعملية إنهاء الاستعمار من إفريقيا، إن أكثر من ثلاثة عقود من الحرب المفجعة في القرن الإفريقي أكثر من كافية لكي نفهم أن فرض الحكم الذاتي في إفريقيا يشكل انحرافاً سياسياً وقانونياً في سياق تصفية الاستعمار، ومن الواضح أنه منذ ذلك الحين وحتى اليوم، لم يتم تعلم الكثير، ولا تزال صيغة الحكم الذاتي يتم تأويلها بشكل نزواتي للتغطية على واقع الإلحاق والضم الفعلي.

فبالنسبة لإثيوبيا الإمبراطور هايلي سيلاسي بالأمس، وبالنسبة للمملكة المغربية اليوم، فإن عدم الامتثال للالتزامات والاتفاقيات الموقعة هو التقليد والقاعدة، لأن خطابات ومراسيم ملوكهما "أسمى" وتتجاوز أي قرار للحكومة والبرلمان، وبالطبع تتجاوز الشرعية الدولية.

الوعود والعهود التي لم يتم الوفاء بها في الماضي، لا توحي باحترام أي التزام في المستقبل؛ لقد وعد الحسن الثاني بالفعل باحترام نتيجة الاستفتاء و"أن المغرب سيكون أول دولة تفتح سفارة في الصحراء الغربية المستقلة إذا أفضى التصويت إلى ذلك" لكن، سرعان ما أصبح الوعد هو أن ذلك الاستفتاء، لكي يكون صحيا، لا يمكن إلا أن يكون "تأكيديا للسيادة المغربية" قبل أن يتنكر المغرب اليوم لفكرة ومبدأ الاستفتاء جملة وتفصيلا، مشددا على اقتراح الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد.

والحكم الذاتي مهما تم تجميله وتغليفه بالمديح، سيبقى مجرد ضم فعلي، فهو يربط الشعب الصحراوي تحت القهر بمجتمع مقهور آخر، وهو ظلم ليس سوى أسهل طريقة، أمام البعض، لفرض وإضفاء الشرعية على أمر الواقع الاستعماري. مقترح يتم تقديمه للشعب الصحراوي ولشعوب المنطقة ك "حل نهائي" للمسألة الصحراوية. ومهما "أبدع" البعض في تسويقه، لا شيء في النهاية، يمكن أن يضفي الشرعية على انتهاك صارخ لمبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الحقبة الاستعمارية.

بشكل مباشر، وبكلمات قليلة، فالحكم الذاتي ليس سوى استسلاما من خلال:

- تفكيك المقاومة الصحراوية وفرض وشرعنة الاحتلال، وهو ما لم يتم فرضه لا بالقوة ولا بالدبلوماسية، منذ نصف قرن.

- تحريف وتشويه معنى حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، وهو الحق المتأصل في عقيدة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وبالتالي التخلي عن كل ما يتعلق بتصفية الاستعمار في القضية الصحراوية.

- تفكيك كل المكاسب الدبلوماسية للشعب الصحراوي من خلال إغلاق سفاراته وممثلياته في العالم.

- تفكيك خلفية القضية الصحراوية في المناطق المحررة وفي مخيمات اللاجئين.

- تحويل الجيش الصحراوي إلى قوة ملحقة بالشرطة المحلية لضمان فرض الحكم الذاتي في الإقليم.

- الاستفادة من الخبرة الإدارية للإدارة الصحراوية في أنشطة من مثل جمع القمامة وغيرها من المهام السطحية في الأراضي المحتلة.

حينها، لا قدر الله، ستبدأ المرحلة الثانية من التوسع المغربي بعد فرض الحكم الذاتي المفترض في الصحراء الغربية، ليبدو من الواضح أن عرابي الحكم الذاتي لا يدركون على الإطلاق ما قد يجلبه فرض الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية على المنطقة، فهي ستكون بداية مرحلة ثانية من التوسع في جميع أنحاء المنطقة.

وفي هذه المواجهة الوجودية التي يكافح فيها الشعب الصحراوي وطأة العدوان وحده، فإنه يستحق كل الدعم المشترك من جميع جيرانه لصد التوسعية؛ الدعم حتى من أولئك الذين يعتقدون خطأ أنهم بشكل استثنائي آمنون ومحصنون ضد التوسع المغربي، ويراهنون بشكل خطير على مقترح الحكم الذاتي كحل.

إن إنقاذ كل جيران المغرب سوف يكون جماعيا، وإلا فسنستسلم جميعاً واحداً تلو الآخر لبراثن توسعه، وإن ترك الشعب الصحراوي يواجه مصيره لوحده، بالإضافة إلى الاستمرار في الإذعان والتسامح مع الاستيلاء على الأراضي من خلال استخدام القوة، من شأنه أن يفتح أبواب المنطقة على مصراعيها أمام التوسع العدواني المغربي الثمل، الآن، بدعم تحالفات تشجع على المغامرة.

إن اللامبالاة في هذا الظرف في مواجهة هذا الوضع ستكون بمثابة جرح مميت سرعان يُظهر ما كان كامناً بالتدريج، وتبقى الحقيقة الثابتة هي أن المقاومة الصحراوية ستحدد، دون أدنى شك، مستقبل المنطقة بأكملها.

عاليين حبيب الكنتاوي سفير سابق للجمهورية الصحراوية لدى منظمة الاتحاد الإفريقي.

( واص ) 090/100

Share