تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاتحاد الإفريقى من تجمع قاري مهمش إلى منظمة رائدة ووازنة

نشر في

يوكوهاما (اليابان) 01 سبتمبر 2019، واص. ان قيام الإتحاد الأفريقى على أنقاض منظمة الوحدة الأفريقية سنة 2000 كان مؤشرا على تحول جوهرى في السياسة الافريقية. فبعد تحرير غالبية الدول الافريقية من الإستعمار و الميز العنصرى أراد الزعماء الأفارقة و انطلاقا من تجارب وطنية و اسنتاجات من الواقع في الكثير من أنحاء القارة أن يبادروا باستراتجية جديدة تعتمد الاندماج الاقتصادى و التكامل السياسى معلنين بذالك عن عزمهم على إنشاء منظمة قارية تجسد تطلعات الشعوب الافريقية فى التقدم و الازدهار قادرة على الدفاع عن مصالح القارة فى عالم تسيطر فيه مصالح القوى العظمى و التجمعات الاقليمية الإقتصادية و السياسية.
قيام الإتحاد الأفريقى يعبر، اذن، عن وعي جماعى بالمكانة المتميزة لافريقيا المتمثلة في الخيرات الهائلة و المتنوعة  التى تزخر بها و الطاقات البشرية الكبيرة التى تمتلكها. و هي كلها عناصر قوة تحوز عليها افريقيا دون غيرها من القارات.
كما أن التسابق غير المعلن القائم بين اكبر مراكز المال و الإقتصاد فى العالم الذى يدور على الساحة الافريقية شكل هو الاخرحافزا إضافيا يدفع نحو التكتل القارى لتمكين افريقيا من  التحدث بصوت واحد أثناء المفاوضات حول اكبر الملفات العالمية خاصة تلك المتعلقة بالتجارة و المناخ و مكافحة الارهاب و المخدرات و غيرها من مواضيع السياسة الدولية مثل إصلاحات مجلس الأمن و النزاعات و الهجرة و العدالة و قضايا الديموقراطية و حقوق الإنسان.
و فى أقل من 20 سنة تحولت المنظمة القارية من تجمع هامشى او مهمش إلى قوة حقيقية محترمة من طرف الآخرين الذين كانوا ينظرون إليها حتى الأمس القريب على أنها فريسة غنية تلتهما الحروب و الامراض و الازمات.
هذه النهضة الإفريقية الجديدة لم تكن لتوجد لولا الصحوة التي جسدها  الرجوع إلى المبادىء التى قام عليها العمل الأفريقى الوحدوى المؤسس الذى قامت منظمة الوحدة الأفريقية لتحقيق أهدافه النبيلة المتمثلة في القضاء على الإستعمار و الميز العنصرى و تمكين جميع الشعوب الافريقية من حقوقها فى تقرير المصير و الاستقلال و فى احترام وحدتها الوطنية و حوزة أراضيها.
و شكلت المعركة التى ما زالت مستمرة للقضاء على الإستعمار فى الصحراء الغربية، آخر معاقله فى القارة، عاملا رئيسيا فى إبقاء المبادىء المؤسسة للوحدة الافريقية بالقوة التى كانت عليها سنة 1963.
لقد أنتبه الأفارقة منذ السنوات الأولى من الاستقلال  إلى محاولة الإستعمار للدخول من جديد و التسلل إلى الصفوف متلبسا هذه المرة بحلة افريقية و باساليب جديدة. إلا أن أخطر الأساليب الجديدة، و بدون منازع، هي الدوس على مبدا قدسية الحدود القائمة أثناء الإستقلال كما جاء فى القانون التاسيسى للإتحاد الأفريقى حاليا أو ما كان يعرف فى قرار قمة القاهرة لمنظمة الوحدة الأفريقية سنة 1964 بمبدأ إحترام الحدود الموروثة عن الإستعمار.  قرار جعله القادة الأفارقة بقوة المبدأ الملزم عندما أدركوا أن مسألة الحدود تشكل البوابة التى يمكن ان تجعل من القارة منطقة حروب مشتعلة باستمرار. قرار القاهرة، للتذكير، اتخذ بسبب نشوب أول حرب عدوانية تهدف الى المس من الحدود الموروثة عن الإستعمار بادر بها المغرب ضد الجزائر سنة 1963 نيابة عن فرنسا التى خرجت من الجزائر المنتصرة بهزيمة مدوية ما زالت باريس لم تتخلص من عقدتها و آثارها النفسية.
و نلاحظ أن هناك علاقة جدلية متينة بين قرار إنشاء الإتحاد الأفريقى و الكفاح التحريرى الذى يخوصه الشعب الصحراوي للدفاع عن سيادته و وحدته الترابية لان السيادة الأفريقية و السيادة الوطنية الصحراوية مرتبطتان ارتباطا وثيقا بقيمة قدسية المبادىء إلتى وضعها الآباء المؤسسون.
إن الذين لم يفهموا جيدا هذا الدرس التاريخى الذى لقتنه المعارك الدائرة بين الجمهورية الصحراوية و المملكة المغربية بمناسبة مؤتمرات و قمم الشراكة، و آخرها قمة يوكوهاما، سيحصدون هزائم أخرى و بصفة متكررة ربما لأنهم كما ذكر الجنرال جايب تلاميذ اغبياء.
090/201، واص.